فصل: فَصْلٌ: (ما يُبَاحُ مِنَ الْأَطْعِمَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ:

(وَاحِدُهَا طَعَامٌ، وَهُوَ مَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ) قَالَ تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهْرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ مَا يَأْكُلُ، وَرُبَّمَا خَصَّ بِهِ الْبُرَّ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا بَيَانُ مَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَمَا يُبَاحُ (وَأَصْلُهَا الْحِلُّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} وَقَوْلِهِ: {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} وَقَوْلِهِ: {أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ}. (فَيَحِلُّ كُلُّ طَعَامٍ طَاهِرٍ) لَا نَجَسٍ أَوْ مُتَنَجِّسٍ (لَا مَضَرَّةَ فِيهِ) مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالنَّبَاتَاتِ غَيْرِ الْمُضِرَّةِ (وَلَا مُسْتَقْذَرٍ حَتَّى نَحْوُ مَسَكٍ) مِمَّا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً كَالْفَاكِهَةِ الْمُسَوَّسَةِ وَالْمُدَوِّدَةِ (وَقِشْرِ بَيْضٍ وَقَرْنِ) حَيَوَانٍ مُذَكَّى إذَا دُقَّا وَنَحْوِهِ. (وَيَحْرُمُ نَجَسٌ كَدَمٍ وَمَيْتَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} (وَ) يَحْرُمُ (مُضِرٌّ كَسُمٍّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} وَالسُّمُّ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا وَلِذَا عُدَّ مُطْعِمُهُ لِغَيْرِهِ قَاتِلًا، وَفِي الْوَاضِحِ أَنَّ السُّمَّ نَجِسٌ وَفِيهِ احْتِمَالٌ؛ لِأَكْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ الذِّرَاعِ الْمَسْمُومَةِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً أَنَّ السَّمُومَ نَجِسَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَكَذَا مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ انْتَهَى.
وَأَمَّا السَّقَمُونْيَا وَالزَّعْفَرَانُ وَنَحْوُهُمَا فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ، وَيَجُوزُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ لِقِلَّتِهِ أَوْ إضَافَةِ مَا يُصْلِحُهُ.
(وَ) يَحْرُمُ أَكْلُ (مُسْتَقْذَرٍ كَرَوْثٍ وَبَوْلٍ وَلَوْ طَاهِرَيْنِ) بِلَا ضَرُورَةٍ، لِاسْتِقْذَارِهِمَا (وَ) كَذَا يَحْرُمُ أَكْلُ نَحْوِ (قَمْلٍ وَبُرْغُوثٍ) لِاسْتِقْذَارِهِمَا أَيْضًا (وَ) يَحْرُمُ (مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ حُمُرٌ أَهْلِيَّةٌ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَحُكْمُ لَبَنِهَا حُكْمُهَا (وَقِيلَ) قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ هُوَ مِنْ أَطْعِمَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ مَسْخٌ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ»، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِهَا نَابًا، وَلِأَنَّهُ مُسْتَخْبَثٌ فَيَدْخُلُ فِي: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ}.
(وَ) يَحْرُمُ (مَا يَفْتَرِسُ بِنَابِهِ)؛ أَيْ: يَنْهَشُ (كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَفَهْدٍ وَكَلْبٍ) لِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «كُلُّ ذِي نَابٍ حَرَامٌ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَاتِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا يَبْدَأُ بِالْعَدْوَى وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِمَنْ يَبْدَأُ بِالْعَدْوَى كَالْأَسَدِ (وَخِنْزِيرٍ) لِلْآيَةِ (وَقِرْدٍ) وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَلِأَنَّ لَهُ نَابًا وَهُوَ مَسْخٌ؛ فَهُوَ مِنْ الْخَبَائِثِ (وَدُبٌّ وَنِمْسٌ وَابْنُ آوَى وَابْنُ عُرْسٍ وَسِنَّوْرٌ وَلَوْ بَرِّيًّا) لِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْمَذْكُورِ، وَمِنْ أَنْوَاعِه: التُّفَّةُ كَثُبَةٍ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: عَنَاقُ الْأَرْضِ (وَثَعْلَبٌ وَسِنْجَابٌ وَسَمُّورٌ وَفَنَكٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ نَوْعٌ مِنْ وَلَدِ الثَّعْلَبِ التُّرْكِيِّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ السِّبَاعِ ذَوَاتِ النَّابِ، فَدَخَلَ فِي عُمُومِ النَّهْيِ (سِوَى ضَبُعٍ) لِأَنَّ الرُّخْصَةَ رُوِيَتْ فِيهِ عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: مَا زَالَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُ الضَّبُعَ لَا تَرَى بِأَكْلِهِ بَأْسًا. وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْلِ الضَّبُعِ، قُلْت صَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: «قُلْت لِجَابِرٍ الضَّبُعُ؛ أَصَيْدٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: أَقَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ. لَا يُقَالُ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى حِلِّهِ خَاصٌّ وَالنَّهْيُ عَامٌّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ.
(وَ) يَحْرُمُ (مِنْ طَيْرٍ مَا يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ كَعُقَابٍ وَبَازٍ وَصَقْرٍ وَبَاشِقٍ وَشَاهِينِ وَحِدَأَةٍ وَبُومَةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ» وَحَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ مَرْفُوعًا: «حَرَامٌ عَلَيْكُمْ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ» رَوَاهمَا أَبُو دَاوُد، وَهُوَ يُخَصِّصُ عُمُومَ الْآيَاتِ (وَ) يَحْرُمُ مِنْ الطَّيْرِ (مَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ كَنَسْرٍ وَرَخَمٍ وَلَقْلَقٍ) طَائِرٌ نَحْوُ الْإِوَزَّةِ طَوِيلُ الْعُنُقِ يَأْكُلُ الْحَيَّاتِ (وَعَقْعَقٍ وَهُوَ الْقَاقُ) طَائِرٌ نَحْوُ الْحَمَامَةِ طَوِيلُ الذَّنَبِ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ نَوْعٌ مِنْ الْغِرْبَانِ (وَغُرَابِ الْبَيْنِ وَالْأَبْقَعِ) قَالَ عُرْوَةُ: وَمَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسِقًا؟ وَاَللَّهِ مَا هُوَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ قَتْلَ الْغُرَابِ بِالْحَرَمِ. وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ صَيْدٍ مَأْكُولٍ فِي الْحَرَمِ.
(وَ) يَحْرُمُ كُلُّ (مَا تَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ ذُو الْيَسَارِ) وَهُمْ أَهْلُ الْحِجَازِ (مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ) لِأَنَّهُمْ هُمْ أُولُو النُّهَى، وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْكِتَابُ، وَخُوطِبُوا بِهِ وَبِالسُّنَّةِ، فَرَجَعَ فِي مُطْلَقِ أَلْفَاظِهِمَا إلَى عُرْفِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْأَعْرَابِ الْجُفَاةِ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي؛ لِأَنَّهُمْ لِلضَّرُورَةِ وَالْمَجَاعَةِ يَأْكُلُونَ كُلَّ مَا وَجَدُوهُ، وَلِهَذَا سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَمَّا يَأْكُلُونَ. فَقَالَ: مَا دَبَّ وَدَرَجَ إلَّا أُمَّ حُبَيْنٍ- بِمُهْمَلَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ- فَقَالَ: لِيُهِنْ أُمَّ حُبَيْنٍ الْعَافِيَةَ تَأْمَنُ أَنْ تُطْلَبَ فَتُؤْكَلَ، وَأُمُّ حُبَيْنٍ: الْخَنَافِسُ الْكِبَارُ. وَاَلَّذِي تَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ ذُو الْيَسَارِ (كَوَطْوَاطٍ وَيُسَمَّى خُفَّاشًا وَخَشَّافًا) قَالَ الشَّاعِرُ: مِثْلُ النَّهَارِ يَزِيدُ أَبْصَارَ الْوَرَى نُورًا وَيُعْمِي أَعْيُنَ الْخُفَّاشِ قَالَ أَحْمَدُ: وَمَنْ يَأْكُلُ الْخُفَّاشَ،؟ (وَفَأْرٍ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ؛ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ صَيْدٍ مَأْكُولٍ فِي الْحَرَمِ (وَزُنْبُورٍ وَنَحْلٍ وَذُبَابٍ وَفَرَاشٍ)؛ لِأَنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ غَيْرُ مُسْتَطَابَةٍ؛ وَلِحَدِيثِ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ» حَيْثُ أَمَرَ بِطَرْحِهِ، وَلَوْ جَازَ أَكْلُهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِطَرْحِهِ (وَهُدْهُدٍ وَصُرَدٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالصُّرَدُ- بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ- طَائِرٌ ضَخْمُ الرَّأْسِ يَصْطَادُ الْعَصَافِيرَ، وَهُوَ أَوَّلُ طَائِرٍ صَامَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْجَمْعُ صِرْدَانٍ بِكَسْرِ الصَّادِ كَجُرَذٍ- وَجِرْذَانٍ وَهُوَ الْفَأْرَةُ أَوْ الذَّكَرُ مِنْهَا (وَغُدَافٍ) وَهُوَ غُرَابُ الْغَيْطِ (وسنونو) وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْخُطَّافِ (وَأَبِي زُرَيْقٍ) طَائِرٌ مَعْرُوفٌ، وَيُقَالُ لَهُ الدَّرْبَابُ قِيلَ أَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الشِّقَرَّاقِ وَالْغُرَابِ (وَخُطَّافٍ) طَائِرٌ أَسْوَدُ مَعْرُوفٌ أَيْضًا، وَأَخْيَلُ هُوَ الشِّقَرَّاقُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الْقَافِ مُشَدَّدَةٍ وَبِكَسْرِ الشِّينِ مَعَ التَّثْقِيلِ، وَأَنْكَرَهَا بَعْضُهُمْ، وَبِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْقَافِ، وَهُوَ دُونَ الْحَمَامَةِ أَخْضَرُ اللَّوْنِ، أَسْوَدُ الْمِنْقَارِ، بِأَطْرَافِ جَنَاحَيْهِ سَوَادٌ، وَبِظَاهِرِهَا حُمْرَةٌ (وَقُنْفُذٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَذَكَرَهُ؛ أَيْ: الْقُنْفُذَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هُوَ خَبِيثَةٌ مِنْ الْخَبَائِثِ» (وَنَيْصٍ وَهُوَ كِبَارُ الْقَنَافِذِ عَلَى ظَهْرِهِ شَوْكٌ طَوِيلٌ) وَيُقَالُ لَهُ الدَّلْدَلُ (وَحَيَّةٍ وَحَشَرَاتٍ) كَدِيدَانٍ وَجُرْذَانٍ وَبَنَاتِ وَرْدَانٍ حُمُرِ اللَّوْنِ، وَأَكْثَرُ مَا تَكُونُ فِي الْحَمَّامَاتِ وَالْكَنَفِ وَخَنَافِسَ وَأَوْزَاغٍ وَحِرْبَاتٍ وَعَقْرَبٍ وَعِضَاه وَخُلْدٍ وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ اللَّكْمَةِ وَهِيَ دُوَيْبَّةٌ سَوْدَاءُ كَالسَّمَكَةِ تَسْكُنُ الْبَرَّ إذَا رَأَتْ الْإِنْسَانَ غَابَتْ وَزُنْبُورٍ وَنَحْلٍ وَنَمْلٍ وَذُبَابٍ وَطَبَابِيعَ وَهِيَ الْقُمَّلُ الْأَحْمَرُ فَهِيَ حَرَامٌ.
(وَ) يَحْرُمُ (كُلُّ مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِقَتْلِهِ كَعَقَارِبَ أَوْ نَهَى عَنْهُ)؛ أَيْ: عَنْ قَتْلِهِ كَنَمْلٍ، وَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ (كَبَغْلٍ) مُتَوَلِّدٍ مِنْ خَيْلٍ وَحُمُرٍ أَهْلِيَّةٍ، وَكَحِمَارٍ مُتَوَلِّدٍ بَيْنَ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ وَوَحْشِيٍّ (وَكَسِمْعٍ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ (وَلَدُ ضَبُعٍ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِّ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا، وَجَمْعُهُ ضِبَاعٌ (مِنْ ذِئْبٍ وَكَعِسْبَارٍ وَلَدِ ذِئْبَةٍ مِنْ) ذَيْخٍ وَهُوَ (الضَّبِعَانِ) بِكَسْرِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَجَمْعُهُ ضَبَاعِينُ كَمَسَاكِينَ، وَهُوَ ذَكَرُ الضِّبَاعِ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ.
وَ(لَا) يَحْرُمُ (مُتَوَلِّدٌ مِنْ مُبَاحَيْنِ كَبَغْلٍ مِنْ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَخَيْلٍ) بِخِلَافِ حَيَوَانٍ نِصْفُهُ خَرُوفٌ وَنِصْفُهُ كَلْبٌ؛ فَيَحْرُمُ تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ (وَمَا تَجْهَلُهُ الْعَرَبُ) مِنْ الْحَيَوَانِ (وَلَا ذُكِرَ فِي الشَّرْعِ يُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ بِالْحِجَازِ)؛ فَإِنْ أَشْبَهَ مُحَرَّمًا أَوْ حَلَالًا أُلْحِقَ بِهِ (وَلَوْ أَشْبَهَ) حَيَوَانًا (مُبَاحًا وَ) حَيَوَانًا (مُحَرَّمًا؛ غَلَبَ التَّحْرِيمُ) احْتِيَاطًا لِحَدِيثِ: «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَقَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ اشْتَبَهَ عَلَيْك فَدَعْهُ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ شَيْئًا بِالْحِجَازِ فَمُبَاحٌ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} الْآيَةَ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ عَبَّاسٍ: مَا سَكَتَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَى عَنْهُ. (وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ طَاهِرٍ كَذُبَابِ بَاقِلَاءَ وَدُودِ خَلٍّ وَ) دُودِ (جُبْنٍ وَ) دُودِ (فَاكِهَةٍ يُؤْكَلُ) جَوَازًا (تَبَعًا لَا انْفِرَادًا) وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْبَاقِلَّانِيِّ الْمُدَوَّدِ: تَجَنُّبُهُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ فَأَرْجُو، وَقَالَ عَنْ تَفْتِيشِ التَّمْرِ الْمُدَوَّدِ: لَا بَأْسَ بِهِ. (وَمَا أَحَدُ أَبَوَيْهِ الْمَأْكُولَيْنِ مَغْصُوبٌ فَكَأُمِّهِ) فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ مَغْصُوبَةً لَمْ تَحِلَّ هِيَ وَلَا شَيْءٌ مِنْ أَوْلَادِهَا لِغَاصِبٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ الْفَحْلَ وَالْأُمُّ مِلْكٌ لِلْغَاصِبِ؛ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَوْلَادِهَا.
تَتِمَّةٌ:
وَيَحْرُمُ مَا لَيْسَ مِلْكًا لِآكِلِهِ وَلَا أَذِنَ فِيهِ رَبُّهُ وَلَا الشَّارِعُ؛ لِحَدِيثِ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ». فَإِنْ أَذِنَ فِيهِ رَبُّهُ جَازَ أَكْلُهُ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ الشَّارِعُ كَأَكْلِ الْوَلِيِّ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ مِنْهُ، وَالْمُضْطَرِّ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ.

.فَصْلٌ: [ما يُبَاحُ مِنَ الْأَطْعِمَةِ]:

(وَيُبَاحُ مَا عَدَا هَذَا) الْمُتَقَدِّمِ تَحْرِيمُهُ؛ لِعُمُومِ نُصُوصِ الْإِبَاحَةِ (كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} (وَالْخَيْلِ) كُلِّهَا عِرَابُهَا وَبَرَاذِينُهَا نَصًّا، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ. وَقَالَتْ أَسْمَاءُ: «نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ خَالِدٍ مَرْفُوعًا: «حَرَامٌ عَلَيْكُمْ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ وَخَيْلُهَا وَبِغَالُهَا». فَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ جَيِّدٌ (وَكَبَاقِي الْوُحُوشِ كَزَرَافَةٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ. زَادَ الصَّغَانِيُّ وَالْفَاءُ تُشَدَّدُ وَتُخَفَّفُ فِي الْوَجْهَيْنِ، قِيلَ هِيَ مُسَمَّاةٌ بِاسْمِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي صُورَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَهِيَ دَابَّةٌ تُشْبِهُ الْبَعِيرَ إلَّا أَنَّ عُنُقَهَا أَطْوَلُ مِنْ عُنُقِهِ، وَجِسْمَهَا أَلْطَفُ مِنْ جِسْمِهِ، وَيَدَاهَا أَطْوَلُ مِنْ رِجْلَيْهَا، وَوَجْهُ حِلِّهَا أَنَّهَا مُسْتَطَابَةٌ لَيْسَ لَهَا نَابٌ؛ أَشْبَهَتْ الْإِبِلَ (وَكَأَرْنَبٍ) أَكَلَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَرَخَّصَ فِيهَا أَبُو سَعِيدٍ. وَعَنْ أَنْسَ قَالَ: «أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا فَأَخَذْتهَا، فَجِئْت بِهَا إلَى أَبِي طَلْحَةَ، فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ بِوَرِكِهَا أَوْ قَالَ بِفَخِذِهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَوَبْرٍ)، لِأَنَّهَا تُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ، وَمُسْتَطَابٍ يَأْكُلُ النَّبَاتَ كَالْأَرْنَبِ (وَيَرْبُوعٍ) نَصًّا لِحُكْمِ عُمَرَ فِيهِ بِجَفَرَةٍ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ (وَبَقَرِ وَحْشٍ) عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا كَأُيَّلٍ وَتَيْتُلٍ وَوَعِلٍ وَمَهَا (وَحُمُرِهِ)؛ أَيْ: الْوَحْشِ (وَضَبٍّ) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْ يُهْدَى إلَى أَحَدِنَا ضَبٌّ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ دَجَاجَة.
قَالَ الْحَجَّاوِيُّ: وَهُوَ دَابَّةٌ تُشْبِهُ الْحِرْدَوْنَ مِنْ عَجِيبِ خِلْقَتِهِ أَنَّ الذَّكَرَ لَهُ ذَكَرَانِ، وَالْأُنْثَى لَهَا فَرْجَانِ تَبِيضُ مِنْهُمَا (وَظِبَاءَ) وَهِيَ الْغِزْلَانُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، لِأَنَّهَا تُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ. (وَبَاقِي الطَّيْرِ كَنَعَامٍ وَدَجَاجٍ وَطَاوُوسٍ وَبَبَّغَاءَ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ (وَهِيَ الدَّرَّةُ وَزَاغٍ) طَائِرٌ صَغِيرٌ أَغْبَرُ (وَغُرَابِ زَرْعٍ) يَطِيرُ مَعَ الزَّاغِ يَأْكُلُ الزَّرْعَ أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلِ؛ لِأَنَّ مَرْعَاهُمَا الزَّرْعُ أَشْبَهَا الْحَجَلَ، وَكَالْحَمَامِ بِأَنْوَاعِهِ مِنْ فَوَاخِتَ وَقَمَارِيِّ وَجَوَازِلَ وَرَقْطَى وَدَبَاسِي وَحَجَلٍ وَقَطَا وَحُبَارَى.
قَالَ سَفِينَةُ: «أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبَارَى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَكَزُرْزُورٍ وَعَصَافِيرَ وَقَنَابِرَ وَصَعْوَةٍ جَمْعُهُ صِعَاءُ، وَهُوَ صِغَارُ الْعَصَافِيرِ أَحْمَرُ الرَّأْسِ، وَكُرْكِيٍّ مِنْ خَوَاصِّهِ أَنَّهُ يَبِرُّ وَالِدَيْهِ إذَا كَبُرَ، وَإِذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَأَرَادُوا النَّوْمَ يَسْهَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَيَقِفُ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، وَيَتَنَاوَبُونَ السَّهَرَ، وَبَطٍّ وَأُوَزٍّ وَغَرَانِيقَ جَمْعُ غُرْنَقٍ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ النُّونِ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ، طَوِيلُ الْعُنُقِ. وَطَيْرُ الْمَاءِ كُلُّهُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِمَّا يَلْتَقِطُ الْحَبَّ، أَوْ يُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ؛ فَيُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطَابٌ فَيَتَنَاوَلُهُ: {وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ}. (وَيَحِلُّ كُلُّ حَيَوَانٍ بَحْرِيٍّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ (غَيْرَ ضُفْدَعٍ) فَيَحْرُمُ نَصًّا وَاحْتُجَّ بِالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ وَلِاسْتِخْبَاثِهَا، فَتَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} (وَ) غَيْرَ (حَيَّةٍ) لِأَنَّهَا مِنْ الْمُسْتَخْبَثَاتِ (وَ) غَيْرَ (تِمْسَاحٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّ لَهُ نَابًا يَفْتَرِسُ النَّاسَ وَغَيْرَهُمْ، وَالْكَوْسَجُ هُوَ سَمَكَةٌ لَهَا خُرْطُومٌ كَالْمِنْشَارِ، وَتُسَمَّى الْقِرْشِيَّ؛ فَتُبَاحُ كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ وَكَلْبِهِ وَإِنْسَانِهِ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَكِبَ عَلَى سَرْجٍ عَلَيْهِ مِنْ جُلُودِ كِلَابِ الْمَاءِ. (وَتَحْرُمُ الْجَلَّالَةُ) وَهِيَ (الَّتِي أَكْثَرُ عَلَفِهَا نَجَاسَةٌ، وَيَحْرُمُ لَبَنُهَا وَبَيْضُهَا) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: «نَهَى عَنْ رُكُوبِ جَلَّالَةِ الْإِبِلِ». وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شُرْبِ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَبَيْضُهَا كَلَبَنِهَا لِتَوَلُّدِهِ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ (لَمْ تَحْرُمْ) وَلَا لَبَنُهَا وَلَا بَيْضُهَا (حَتَّى تُحْبَسَ ثَلَاثًا) مِنْ اللَّيَالِي بِأَيَّامِهَا؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَكْلَهَا يَحْبِسُهَا ثَلَاثًا (وَتُطْعَمُ الطَّاهِرَ فَقَطْ) لِزَوَالِ مَانِعِ حِلِّهَا (وَيُكْرَهُ رُكُوبُهَا) لِأَجْلِ عَرَقِهَا؛ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَمِثْلُهُ خَرُوفٌ ارْتَضَعَ مِنْ كَلْبَةٍ، ثُمَّ شَرِبَ لَبَنًا طَاهِرًا، أَوْ أَكَلَ شَيْئًا طَاهِرًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ. (وَيَتَّجِهُ طَهَارَةٌ نَحْوَ عِرْقِ الْآدَمِيِّ) كَبُصَاقِهِ وَمُخَاطِهِ (وَلَبَنِهِ وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَجَاسَةً لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ) عَنْ ذَلِكَ، (وَلِأَنَّ مَا فِي جَوْفِهِ نَجِسٌ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ غِذَاؤُهُ نَجِسًا أَوْ طَاهِرًا. قُلْت: وَكَذَا لَوْ نَزَا حِمَارٌ عَلَى فَرَسٍ فَأَتَتْ بِبَغْلَةٍ؛ فَلَبَنُهَا طَاهِرٌ؛ لِطَهَارَةِ عَيْنِ الْفَرَسِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ بَلْ مُصَرَّحٌ بِهِ. (وَيُبَاحُ أَنْ يَعْلِفَ النَّجَاسَةَ مَا لَا يُذْبَحُ قَرِيبًا أَوْ لَا يُحْلَبُ قَرِيبًا) لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهَا فِي الرَّعْيِ عَلَى اخْتِيَارِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا تُعْلَفُ النَّجَاسَةَ. قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ.
فَائِدَةٌ:
وَإِذَا عَضَّ كَلْبٌ شَاةً وَنَحْوَهَا، فَكُلِّبَتْ ذُبِحَتْ؛ دَفْعًا لِضَرَرِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤْكَلَ لَحْمُهَا لِضَرَرِهَا. (وَمَا سُقِيَ) مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ بِنَجِسٍ (أَوْ سُمِّدَ)؛ أَيْ: جُعِلَ فِيهِ السِّمَادُ كَسَلَامِ مَا يَصْلُحُ بِهِ الزَّرْعُ مِنْ سِرْجِينٍ أَوْ رَمَادٍ (بِنَجَسٍ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ مُحَرَّمٍ؛ نَجِسٌ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنَّا نُكْرِي أَرَاضِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَشْتَرِطُ عَلَيْهَا أَنْ لَا يَدْمُلُوهَا بِعَذِرَةِ النَّاس.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَدَمَلَ الْأَرْضَ دَمْلًا وَدَمَلَانًا أَصْلَحَهَا أَوْ سَرْقَنَهَا، فَتَدَمَّلَتْ: صَلُحَتْ بِهِ انْتَهَى.
وَلَوْلَا أَنَّ مَا فِيهَا يَحْرُمُ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فَائِدَةٌ، وَلِأَنَّهُ تَتَرَبَّى بِالنَّجَاسَةِ أَجْزَاؤُهُ وَالِاسْتِحَالَةُ لَا تَطْهُرُ عِنْدَنَا (حَتَّى يُسْقَى) الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ (بَعْدَهُ)؛ أَيْ: النَّجَسِ الَّذِي سُقِيَهُ أَوْ سُمِّدَ بِهِ (بِمَاءٍ طَاهِرٍ)؛ أَيْ: طَهُورٍ (يَسْتَهْلِكُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ) فَيَطْهُرُ وَيَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ يُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ، وَكَالْجَلَّالَةِ إذَا حُبِسَتْ وَطُعِمَتْ الطَّاهِرَاتِ، وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ. (وَيُكْرَهُ أَكْلُ فَحْمٍ وَتُرَابٍ وَطِينٍ) لَا يُتَدَاوَى بِهِ؛ لِضَرَرِهِ نَصًّا، بِخِلَافِ الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ لِلدَّوَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَكَذَا يَسِيرُ تُرَابٍ وَطِينٍ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّهُ؛ فَلَا يُكْرَهُ (وَهُوَ)؛ أَيْ: أَكْلُ الطِّينِ (عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ) نَقَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْلُبُهُ إلَّا مَنْ بِهِ مَرَضٌ (وَ) يُكْرَهُ أَكْلُ (غُدَّةٍ وَأُذُنِ قَلْبٍ) نَصًّا.
قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلَ الْغُدَّةِ». وَنَقَلَ أَبُو الطَّالِبِ: «نَهْيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ أُذُنِ الْقَلْبِ»، وَذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَضَرَّةِ الَّتِي تَعْرِضُ لِآكِلِهِمَا.
(وَ) يُكْرَهُ أَكْلُ (نَحْوِ بَصَلٍ وَثُومٍ) كَفُجْلٍ (وَكُرَّاثٍ مَا لَمْ يَنْضَجْ بِطَبْخٍ).
قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ كَرِهَهُ لِمَكَانِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنْ أَكْلَهُ كُرِهَ لَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ؛ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَكَلَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ الْخَبِيثَةَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا». وَيُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا حُضُورُ جَمَاعَةٍ وَلَوْ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ.
(وَ) يُكْرَهُ أَكْلُ (حَبٍّ دِيسَ بِحُمُرٍ) أَهْلِيَّةٍ (وَبِغَالٍ) نَصًّا، وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَدُوسَهُ بِهَا. وَقَالَ حَرْبٌ: كَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْسَلَ.
(وَ) يُكْرَهُ (مُدَاوَمَةُ أَكْلِ لَحْمٍ) قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ قَسْوَةَ الْقَلْبِ.
(وَ) يُكْرَهُ (مَاءُ بِئْرٍ بَيْنَ قُبُورٍ وَشَوْكُهَا وَبَقْلُهَا)، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: كَمَا سُمِّدَ بِنَجَسٍ وَالْجَلَّالَةُ.
وَ(لَا) يُكْرَهُ أَكْلُ (لَحْمٍ نَيِّئْ) نَقَلَهُ مُهَنَّا (وَمُنْتِنٍ) نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ، وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الْمُنْتَهَى وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ فِي الْإِقْنَاعِ بِالْكَرَاهَةِ. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ. وَيَحْرُمُ التِّرْيَاقُ وَهُوَ دَوَاءٌ يُعَالَجُ بِهِ مِنْ السُّمُوم يُجْعَلُ فِيهِ لُحُومُ الْحَيَّاتِ؛ لِأَنَّ لَحْمَ الْحَيَّةِ حَرَامٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَيَحْرُمُ أَيْضًا التَّدَاوِي بِأَلْبَانِ الْأُتُنِ وَكُلِّ مُحَرَّمٍ.

.فَصْلٌ: [طعامُ المضطرِّ]:

(وَمَنْ اُضْطُرَّ بِأَنْ خَافَ التَّلَفَ) إنْ لَمْ يَأْكُلْ. نَقَلَ حَنْبَلٌ إذَا عَلِمَ أَنَّ النَّفْسَ تَكَادُ تَتْلَفُ، وَفِي الْمُنْتَخَبِ أَوْ خَافَ مَرَضًا أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ الرُّفْقَةِ؛ أَيْ: بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ فَيَهْلَكُ، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ؛ لِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فِي ذَلِكَ (أَكَلَ وُجُوبًا مِنْهُ) نَصًّا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ مَسْرُوقٌ: مَنْ اُضْطُرَّ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ (مِنْ غَيْرِ سُمٍّ وَنَحْوِهِ) مِمَّا يَضُرُّ (مِنْ مُحَرَّمٍ) مِمَّا ذَكَرْنَا (مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ)؛ أَيْ: بَقِيَّةَ رُوحِهِ أَوْ قُوتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ} وَقَوْلِهِ: {فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (فَقَطْ)؛ أَيْ: لَا يَزِيدُ عَلَى مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ؛ فَلَيْسَ لَهُ الشِّبَعُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ، وَاسْتَثْنَى مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ، فَإِذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ لَمْ تَحِلَّ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ (إنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَفَرٍ مُحَرَّمٍ) كَسَفَرٍ لِقَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ زِنًا أَوْ لِوَاطٍ وَنَحْوِهِ (فَإِنْ كَانَ فِيهِ)؛ أَيْ: السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ (وَلَمْ يَتُبْ فَلَا) يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ أَكْلَهَا رُخْصَةٌ وَالْعَاصِي لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.: {غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) حُكْمُ مُقِيمِ إقَامَةَ مَعْصِيَةٍ كَإِقَامَتِهِ فِي نَحْوِ بَلْدَةٍ (لِزِنًا) أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ تَعَلُّمِ اسْتِعْمَالِ آلَاتِ لَهْوٍ؛ فَيَمْتَنِعُ عَلَى مَنْ هَذَا حَالُهُ، وَاضْطُرَّ لِأَكْلِ مَيْتَةٍ الْأَكْلُ مِنْهَا لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ، وَلَا يَسْتَبِيحُهَا مَنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِالْمَعْصِيَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَهُ)؛ أَيْ: الْمُضْطَرِّ فِي غَيْرِ سَفَرٍ مُحَرَّمٍ (التَّزَوُّدُ إنْ خَافَ) الْحَاجَةَ إنْ لَمْ يَتَزَوَّدْ كَجَوَازِ التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إنْ خَافَ عَطَشًا بِاسْتِعْمَالِهِ (وَلَيْسَ لَهُ)؛ أَيْ: الْمُضْطَرِّ (الشِّبَعُ) مِنْ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ، وَاسْتَثْنَى مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ، فَإِذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ لَمْ يَحِلَّ الْأَكْلُ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ، كَمَا يَحْرُمُ فَوْقَ الشِّبَعِ إجْمَاعًا ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِة وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَجَمْعٌ) مِنْ عُلَمَائِنَا (إنْ كَانَتْ الضَّرُورَةُ مُسْتَمِرَّةً جَازَ الشِّبَعُ، وَإِنْ كَانَتْ) الْحَاجَةُ (مَرْجُوَّةَ الزَّوَالِ، فَلَا) يَشْبَعُ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ. (وَيَجِبُ عَلَى) مَنْ تَزَوَّدَ لَحْمَ مَيْتَةٍ وَهُوَ (غَيْرُ مُضْطَرٍّ) إلَيْهِ فِي الْحَالِ (بَذْلُهُ لِمُضْطَرٍّ) طَلَبَهُ مِنْهُ (بِلَا عِوَضٍ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ (وَيَجِبُ) عَلَى الْمُضْطَرِّ (تَقْدِيمُ السُّؤَالِ عَلَى أَكْلِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ لِلسَّائِلِ: قُمْ قَائِمًا لِيَكُونَ لَك عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ.
قَالَ الْقَاضِي يَأْثَمُ إذَا لَمْ يَسْأَلْ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: إنْ اُضْطُرَّ إلَى الْمَسْأَلَةِ. فَهِيَ مُبَاحَةٌ قِيلَ فَإِنْ تَوَقَّفَ؟ قَالَ مَا أَظُنُّ أَحَدًا يَمُوتُ مِنْ الْجُوعِ، اللَّهُ يَأْتِيه بِرِزْقِهِ (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ، فَإِنَّهُ: قَالَ لَا يَجِبُ؛ أَيْ: تَقْدِيمُ السُّؤَالِ وَلَا يَأْثَمُ أَيْ: بِعَدَمِهِ.
تَنْبِيهٌ:
فَإِنْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيه لَمْ يَحِلَّ لَهُ الِامْتِنَاعُ؛ لِأَنَّهُ إلْقَاءٌ بِنَفْسِهِ إلَى الْهَلَاكِ، وَلَيْسَ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الْمَيْتَةِ، لِعَدَمِ اضْطِرَارِهِ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ مَسْمُومًا، أَوْ يَكُونَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ الْمُضِرَّةِ وَيَخَافُ مَعَهُ الْهَلَاكَ فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ، وَيَعْدِلُ إلَى الْمَيْتَةِ، لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهَا، وَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا مَعَ صَاحِبِهِ، وَامْتَنَعَ مِنْ بَذْلِهِ أَوْ بَيْعِهِ مِنْهُ، وَوَجَدَ الْمُضْطَرُّ ثَمَنَهُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ مُكَابَرَتُهُ عَلَيْهِ وَأَخْذُهُ مِنْهُ، وَيَعْدِلُ إلَى الْمَيْتَةِ سَوَاءٌ كَانَ قَوِيًّا يَخَافُ مُكَابَرَتُهُ التَّلَفَ أَوْ لَمْ يَخَفْ، وَإِنْ بَذَلَهُ رَبُّهُ لِلْمُضْطَرِّ بِثَمَنِ مِثْلِهِ، وَقَدَرَ عَلَى الثَّمَنِ؛ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ؛ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا بِالْمُبَاحِ، وَإِنْ بَذَلَهُ بِزِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ؛ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الثَّمَنِ؛ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْعَادِمِ، فَتَحِلُّ لَهُ الْمَيْتَةُ. (وَإِنْ وَجَدَ مَيْتَةً وَطَعَامًا وَيَجْهَلُ مَالِكَهُ) قَدَّمَ الْمَيْتَةَ، لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الِاخْتِيَارَاتِ إنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى رَبِّهِ بِعَيْنِهِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْأَمَانَاتِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ أَرْبَابُهَا، قَدَّمَ أَكْلَهُ عَلَى الْمَيْتَةِ (أَوْ) وَجَدَ مُضْطَرٌّ (خِنْزِيرًا) أَوْ كَانَ الْمُضْطَرُّ مُحْرِمًا، وَوَجَدَ (صَيْدًا حَيًّا)، أَوْ وَجَدَ مَيْتَةً وَ(بَيْضَ صَيْدٍ سَلِيمًا)؛ أَيْ: الْبَيْضَ (وَهُوَ مُحْرِمٌ، قَدَّمَ الْمَيْتَةَ) لِأَنَّ ذَبْحَ الصَّيْدِ جِنَايَةٌ لَا تَجُوزُ لَهُ حَالَ الْإِحْرَامِ. (وَيُقَدِّمُ) مُضْطَرٌّ (عَلَيْهَا)؛ أَيْ: الْمَيْتَةِ (لَحْمَ صَيْدٍ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ) قَالَهُ الْقَاضِي، وَاسْتَظْهَرَهُ فِي التَّنْقِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَتَمَيَّزُ ذَبْحُ الْمُحْرِمِ بِالِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهِ مُذَكًّى، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُحْرِمُ الْمُضْطَرُّ إلَّا صَيْدًا ذَبَحَهُ، وَكَانَ ذَكِيًّا طَاهِرًا؛ وَلَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَا مَيْتَةٍ فِي حَقِّهِ؛ لِإِبَاحَتِهِ لَهُ إذَنْ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ، وَتُعْتَبَرُ شُرُوطُ الذَّكَاةِ فِيهِ (وَلَهُ الشِّبَعُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ ذَكِيٌّ لَا مَيْتَةٌ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ إذَنْ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَكَاتِهِ كَالْأَهْلِيِّ الْمَأْكُولِ، وَهُوَ مَيْتَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَلَا يُبَاحُ إلَّا لِمَنْ تُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ (وَيُقَدِّمُ) مُضْطَرٌّ مُحْرِمٌ (عَلَى صَيْدٍ حَيٍّ طَعَامًا يَجْهَلُ مَالِكَهُ) لِأَنَّهُ أَكَلَ مَالَ غَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ، فَجَازَ بِشَرْطِ الضَّمَانِ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّيْدَ، لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ، بِخِلَافِ طَعَامِ الْغَيْرِ؛ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ فِي حَالِ بَيْعِ مَالِكِهِ لَهُ وَهِبَتِهِ، فَكَانَ أَخَفَّ حُكْمًا لِذَلِكَ (وَلَمْ أَقِفْ) فِي كَلَامِهِمْ (عَلَى مَفْهُومِ) قَوْلِهِمْ (يَجْهَلُ مَالِكَهُ) وَلَعَلَّ مَفْهُومَهُ إذَا كَانَ مَالِكُ الطَّعَامِ مَعْلُومًا، وَاضْطُرَّ إلَيْهِ، أَوْ خَافَ أَنْ يَضْطَرَّ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ؛ لِحَدِيثِ: «ابْدَأْ بِنَفْسِك». وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُضْطَرٍّ وَلَا خَائِفَ الِاضْطِرَارِ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ لِلْمُضْطَرِّ مَا يَسُدُّ مَعَهُ رَمَقَهُ كَمَا يَأْتِي بِخِلَافِ الْمَجْهُولِ مَالِكُهُ؛ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ، بَلْ هُوَ كَمَا ذَكَرَهُ. (وَتُقَدَّمُ مَيْتَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا)؛ أَيْ: فِي إبَاحَتِهَا (عَلَى) مَيْتَةٍ (مُجْمَعٍ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى تَحْرِيمِهَا؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا مُبَاحَةٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا وَجَدَهَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمُبَاحِ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأُخْرَى. (وَيَتَّجِهُ) تَقْدِيمُ مَيْتَةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا عَلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهَا (وُجُوبًا) لِأَنَّهَا أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهَا (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ الْكَلْبَ يُقَدَّمُ) عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَى أَكْلِهِ (عَلَى الْخِنْزِيرِ) لِقَوْلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ بِإِبَاحَتِهِ، (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ يُقَدَّمُ نَحْوُ شَحْمِ) وَكُلْيَةِ (وَكَبِدِ) وَطِحَالِ (خِنْزِيرٍ عَلَى مَيْتَةٍ) لِأَنَّ الْمَيْتَةَ يَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ شَحْمِهِ (لِقَوْلِ) الْإِمَامِ (دَاوُد) الظَّاهِرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (بِحِلِّهِ) أَيْ: الشَّحْمِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ صَرِيحٌ فِي اللَّحْمِ فَقَطْ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، فَأَكَلَ نَحْوَ الشَّحْمِ؛ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَتَحَرَّى) مُضْطَرٌّ (فِي مُذَكَّاةٍ اشْتَبَهَتْ بِمَيْتَةٍ) لِأَنَّهَا غَايَةُ مَقْدُورِهِ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا حَتَّى يَعْلَمَ الْمُذَكَّاةَ. (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ) مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ (إلَّا طَعَامَ غَيْرِهِ [فَرَبُّهُ] الْمُضْطَرُّ أَوْ الْخَائِفُ يُضْطَرُّ أَحَقُّ بِهِ) مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ سَاوَاهُ فِي الِاضْطِرَارِ، وَانْفَرَدَ عَنْهُ بِالْمِلْكِ؛ أَشْبَهَ غَيْرَ حَالَةِ الِاضْطِرَارِ (وَلَيْسَ لَهُ)؛ أَيْ: رَبِّ الطَّعَامِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ (إيثَارُ غَيْرِهِ بِهِ) لِأَنَّهُ إذَا آثَرَ غَيْرَهُ بِهِ، فَهَلَكَ جُوعًا كَانَ كَالْمُلْقِي بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ، وَفِي الْهَدْيِ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ يَجُوزُ، وَإِنَّهُ غَايَةُ الْجُودِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}. وَلِقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي فُتُوحِ الشَّامِ، وَعُدَّ ذَلِكَ فِي مَنَاقِبِهِمْ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَلَعَلَّهُ لِعِلْمِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ. (وَإِلَّا) يَكُنْ رَبُّ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا وَلَا خَائِفًا أَنْ يَضْطَرَّ (لَزِمَهُ)؛ أَيْ: رَبَّ الطَّعَامِ (بَذْلُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ)؛ أَيْ: الْمُضْطَرِّ (فَقَطْ) لِأَنَّهُ إنْقَاذٌ لِمَعْصُومٍ مِنْ الْهَلَكَةِ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَالْحَرِيقِ (بِقِيمَتِهِ)؛ أَيْ: الطَّعَامِ نَصًّا لَا مَجَّانًا (وَلَوْ فِي ذِمَّةِ مُعْسِرٍ) لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ، (فَإِذَا أَبَى) رَبُّ الطَّعَامِ بَذْلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْهُ بِقِيمَتِهِ (أَخَذَهُ) مِنْهُ مُضْطَرٌّ (بِالْأَسْهَلِ) فَالْأَسْهَلِ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ (قَهْرًا)؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ مَالِكِهِ؛ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ (وَيُعْطِيه عِوَضَهُ مِنْ مِثْلِ مِثْلِيٍّ وَقِيمَةِ مُتَقَوِّمٍ) لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَى رَبِّ الْعَيْنِ فَوَاتُ الْمَالِ وَالْبَدَلِ، وَيَعْتَبِرُ قِيمَةُ مُتَقَوِّمٍ (يَوْمَ أَخْذِهِ) لِأَنَّهُ وَقْتُ تَلَفِهِ (فَإِنْ مَنَعَهُ) رَبُّ الطَّعَامِ أَخْذَهُ بِعِوَضِهِ (فَلَهُ)؛ أَيْ: الْمُضْطَرِّ (قِتَالُهُ عَلَيْهِ) لِكَوْنِهِ صَارَ أَحَقَّ بِهِ مِنْهُ؛ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ وَهُوَ مَنَعَهُ (فَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ؛ ضَمِنَهُ رَبُّ الطَّعَامِ) لِقَتْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ (لَا عَكْسُهُ) بِأَنْ قُتِلَ رَبُّ الطَّعَامِ؛ فَلَا يَضْمَنُهُ الْمُضْطَرُّ، وَيَذْهَبُ هَدَرًا؛ لِظُلْمِهِ بِقِتَالِهِ لِلْمُضْطَرِّ؛ أَشْبَهَ الصَّائِلَ (وَإِنْ مَنَعَهُ) أَيْ الطَّعَامَ مِنْ الْمُضْطَرِّ رَبُّهُ (إلَّا بِمَا فَوْقَ الْقِيمَةِ، فَاشْتَرَاهُ) الْمُضْطَرُّ مِنْهُ (بِذَلِكَ) الَّذِي طَلَبَهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ (كَرَاهَةَ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمَا دَمٌ؛ أَوْ عَجَزَ عَنْ قِتَالِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ)؛ أَيْ: الْمُضْطَرَّ (إلَّا الْقِيمَةُ) لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ لَهُ، وَالزَّائِدُ أُكْرِهَ عَلَى الْتِزَامِهِ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ؛ رَجَعَ بِهِ (وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْذُ الْمَاءِ مِنْ الْعَطْشَانِ وَيَتَّجِهُ) وَكَذَا كَانَ لَهُ أَخْذُ (الطَّعَامِ) مِنْ الْجَائِعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) كَانَ (عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقِيَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَكَانَ لَهُ طَلَبُ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا اشْتَدَّتْ الْمَخْمَصَةُ فِي سَنَةِ الْمَجَاعَةِ، وَكَانَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ قَدْرُ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ فَقَطْ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُ شَيْءٍ مِنْهُ لِلْمُضْطَرِّينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْهُ كُرْهًا لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ الضَّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْدَفِعَ عَنْ الْمُضْطَرِّينَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي سَفَرٍ وَمَعَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ فَضْلَةٍ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ مَا مَعَهُ لِلْمُضْطَرِّينَ، كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ غَرِيقٍ بِتَغْرِيقِ نَفْسِهِ. (وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى نَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ)؛ أَيْ: الْمَالِ كَثِيَابٍ لِدَفْعِ بَرْدٍ وَمِقْدَحَةٍ وَنَحْوِهِ وَدَلْوٍ وَحَبْلٍ لِاسْتِقَاءِ مَاءٍ (وَجَبَ) عَلَى رَبِّ الْمَالِ (بَذْلُهُ) لِمَنْ اُضْطُرَّ لِنَفْعِهِ (مَجَّانًا) بِلَا عِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَمَّ عَلَى مَنْعِهِ بِقَوْلِهِ: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} وَمَا لَا يَجِبُ بَذْلُهُ لَا يُذَمُّ عَلَى مَنْعِهِ، وَمَا وَجَبَ فِعْلُهُ لَا يَقِفُ عَلَى بَذْلِهِ الْعِوَضُ، بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ فَلِرَبِّهَا مَنْعُهَا بِدُونِ عِوَضٍ وَلَا يُذَمُّ عَلَى ذَلِكَ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ بَذْلِ نَحْوِ مَاعُونٍ (مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ)؛ أَيْ: رَبِّهِ (إلَيْهِ) فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِتَمَيُّزِهِ بِالْمِلْكِ. (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ) مِنْ مُضْطَرِّينَ (إلَّا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمِ كَحَرْبِيٍّ وَزَانٍ مُحْصِنٍ) وَمُرْتَدٍّ (فَلَهُ قَتْلُهُ وَأَكْلُهُ) لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ؛ أَشْبَهَ السِّبَاعَ، وَكَذَا إنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا، و(لَا) يَجُوزُ لِمُضْطَرٍّ (أَكْلُ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَوْجُودٍ لِتَحْصِيلِ مَوْهُومٍ وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ مَعْصُومٍ وَأَكْلُهُ وَإِتْلَافُ عُضْوٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْمُضْطَرِّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إبْقَاءُ نَفْسِهِ بِإِتْلَافِ مِثْلِهِ (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَيْسَ لَهُ أَكْلُ (مَعْصُومٍ وَلَوْ) وَجَدَهُ (مَيِّتًا)؛ لِأَنَّهُ: كَالْحَيِّ فِي الْحُرْمَةِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا». (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ لَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ إلَّا زَانِيًا مُحْصَنًا وَكَلْبًا، فَلَهُ (قَتْلُ زَانٍ) مُحْصَنٍ وَأَكْلُهُ لِإِهْدَارِ الشَّارِعِ دَمَهُ، وَ(لَا) يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ (كَلْبٍ وَأَكْلُهُ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ) فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ لَمْ يَبْقَ دِرْهَمٌ مُبَاحٌ جَازَ الْأَكْلُ عَلَى الْعَادَةِ، لَا مَا لِلْإِنْسَانِ عَنْهُ غِنًى، كَحَلْوَى وَفَاكِهَةٍ قَالَهُ فِي النَّوَادِر.

.فَصْلٌ: [مَنْ مَرَّ بِثَمَرَةِ بُسْتَانٍ وَلَا حَائِطَ عَلَيْهِ]:

(وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرَةِ بُسْتَانٍ وَلَا حَائِطَ عَلَيْهِ وَلَا نَاظِرَ لَهُ)؛ أَيْ: حَارِسَ (فَلَهُ الْأَكْلُ) مِنْهَا سَاقِطَةً كَانَتْ أَوْ بِشَجَرِهَا (وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ) لِأَكْلِهَا (مَجَّانًا) بِلَا عِوَضٍ عَمَّا يَأْكُلُهُ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي زَيْنَبَ التَّيْمِيُّ قَالَ: سَافَرْت مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي بَرْزَةَ، فَكَانُوا يَمُرُّونَ بِالثِّمَارِ فَيَأْكُلُونَ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ عُمَرُ: يَأْكُلُ؛ وَلَا يَتَّخِذُ خُبْنَةً وَهِيَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ مَا يَحْمِلُهُ فِي حِضْنِهِ. وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا أَتَيْت حَائِطَ بُسْتَانٍ، فَنَادِ يَا صَاحِبَ الْبُسْتَانِ، فَإِنْ أَجَابَك؛ وَإِلَّا فَكُلْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ» رَوَاه أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَكَوْنُ سَعْدٍ أَبَى الْأَكْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتْرُكُ الْمُبَاحَ غِنَاءً عَنْهُ أَوْ تَوَرُّعًا، فَإِنْ كَانَ الْبُسْتَانُ مَحُوطًا لَمْ يَجُزْ الدُّخُولُ إلَيْهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِطٌ فَهُوَ حِرْزٌ فَلَا تَأْكُلْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا حَائِطٌ فَلَا بَأْسَ. وَكَذَا إنْ كَانَ ثَمَّ حَارِسٌ؛ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى شُحِّ صَاحِبِهِ وَعَدَمِ الْمُسَامَحَةِ.
وَ(لَا) يَجُوزُ (صُعُودُ شَجَرِهِ)؛ أَيْ: الثَّمَرِ (وَلَا ضَرْبُهُ أَوْ رَمْيُهُ بِشَيْءٍ) نَصًّا وَلَوْ كَانَ الْبُسْتَانُ غَيْرَ مَحُوطٍ وَلَا حَارِسَ، لِحَدِيثِ الْأَثْرَمِ: «وَكُلْ مِمَّا وَقَعَ أَشْبَعَك اللَّهُ وَأَرْوَاك» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَلِأَنَّ الضَّرْبَ وَالرَّمْيَ يُفْسِدُ الثَّمَرَ. (وَاسْتَحَبَّ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ (أَنْ يُنَادِي الْمَارُّ قَبْلَ الْأَكْلِ ثَلَاثًا يَا صَاحِبَ الْبُسْتَانِ، فَإِنْ أَجَابَهُ، وَإِلَّا أَكَلَ، وَلَا يَحْمِلُ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَلَا يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْ ثَمَرٍ مَجْنِيٍّ مَجْمُوعٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ) بِأَنْ كَانَ مُضْطَرًّا كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ. (وَكَذَا)؛ أَيْ: كَثَمَرِ الشَّجَرِ (زَرْعٌ قَائِمٌ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَكْلِ الْفَرِيكَةِ (وَشُرْبُ لَبَنِ مَاشِيَةٍ) لِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلِيَسْتَأْذِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا فَلْيَسْتَحْلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِلْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ (وَأَلْحَقَ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَابَعَهُ (بِذَلِكَ)؛ أَيْ: الزَّرْعِ الْقَائِمِ (بَاقِلَّاءَ وَحِمَّصًا أَخْضَرَيْنِ) وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يُؤْكَلُ رَطْبًا عَادَةً؛ لِمَا سَبَقَ (قَالَ الْمُنَقِّحُ: وَهُوَ قَوِيٌّ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ: حَسَنٌ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا وَرَقُ نَحْوِ فُجْلٍ وَبَصَلٍ) وَلِفْتٍ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (لَا نَحْوُ شَعِيرٍ) مِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ رَطْبًا؛ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ؛ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ شَرْعًا وَعَادَةً. (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ جُبْنِ الْمَجُوسِ وَغَيْرِهِمْ) مِنْ الْكُفَّارِ، وَلَوْ كَانَتْ، إنْفَحَتُهُ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ، وَكَذَا الدُّرُوزُ وَالنُّصَيْرِيَّةُ وَالتَّيَامِنَةُ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة جِيلٌ مِنْ النَّاسِ يَتَزَوَّجُونَ مَحَارِمَهُمْ، وَيَفْعَلُونَ كَثِيرًا مِنْ الْبِدَعِ، سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْجُبْنِ فَقَالَ: يُؤْكَلُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، فَقِيلَ لَهُ عَنْ الْجُبْنِ الَّذِي يَصْنَعُهُ الْمَجُوسُ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي، وَذَكَرَ أَنَّ أَصَحَّ حَدِيثٍ فِيهِ حَدِيثُ عُمَرَ: «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْجُبْنِ، وَقِيلَ لَهُ يُعْمَلُ فِيهِ إنْفَحَةُ الْمَيْتَةِ، قَالَ: سَمُّوا اسْمَ اللَّهِ، وَكُلُوا».
تَنْبِيهٌ:
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْجَوْزَ وَلَا الْبَيْضَ الَّذِي اُكْتُسِبَ مِنْ الْقِمَارِ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَلَا يَمْلِكُونَهُ، وَكَذَا أَكْلُ مَا أُخِذَ بِالْقِمَارِ. (وَيَلْزَمُ مُسْلِمًا) لَا ذِمِّيًّا (ضِيَافَةُ مُسْلِمٍ) لَا ذِمِّيٍّ (مُسَافِرٍ) لَا مُقِيمٍ (فِي قَرْيَةٍ لَا مِصْرٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً قَدْرَ كِفَايَتِهِ مَعَ أُدْمٍ) وَفِي الْوَاضِحِ لِفَرَسِهِ تِبْنٌ لَا شَعِيرٌ. قَالَ: فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ كَأُدْمِهِ، وَأَوْجَبَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْمَعْرُوفَ عَادَةً.
قَالَ كَزَوْجَةٍ وَقَرِيبٍ وَرَفِيقٍ؛ لِمَا رَوَى الْمِقْدَادُ بْنُ كَرِيمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْلَةُ الضَّيْفِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَإِنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ مَحْرُومًا كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اقْتَضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، «فَإِنْ لَمْ يُقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يَعْقُبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ». وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: «قُلْت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَنَا، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ: إنْ نَزَلْتُمْ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ تَجِبْ الضِّيَافَةُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْأَخْذِ، وَاخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِ وَالْمُسَافِرِ؛ لِقَوْلِ عُقْبَةَ: إنَّك تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ، وَبِأَهْلِ الْقُرَى؛ لِقَوْلِهِ: بِقَوْمٍ، وَالْقَوْمُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْجَمَاعَاتِ دُونَ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَلِأَنَّ الْقُرَى مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إلَى الضِّيَافَةِ، وَالْإِيوَاءِ لِبُعْدِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، بِخِلَافِ الْمِصْرِ فَفِيهِ السُّوقُ وَالْمَسَاجِدُ.
(وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ (إنْزَالُهُ)؛ أَيْ: الضَّيْفِ (بِبَيْتِهِ مَعَ عَدَمِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ) كَخَانٍ وَرِبَاطٍ يَنْزِلُ فِيهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْإِيوَاءِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ (فَإِنْ أَبَى) الْمُضِيفُ الضِّيَافَةَ (فَلِلضَّيْفِ طَلَبُهُ بِهِ)؛ أَيْ: مَا وَجَبَ لَهُ (عِنْدَ الْحَاكِمِ) لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَالزَّوْجَةِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَى) الضَّيْفِ أَنْ يُحَاكِمَهُ (جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِهِ) بِقَدْرِ ضِيَافَتِهِ الْوَاجِبَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَتُسْتَحَبُّ) الضِّيَافَةُ (ثَلَاثَةً)؛ أَيْ: ثَلَاثَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا، وَالْمُرَادُ يَوْمَانِ مَعَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ (وَمَا زَادَ) عَلَيْهَا (فَصَدَقَةٌ)؛ لِحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ يَرْفَعُهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ قَالُوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُؤْثِمَهُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُؤْثِمُهُ؟ قَالَ يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَقْرِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَيْسَ لَضَيْفَانِ قِسْمَةُ طَعَامٍ قُدِّمَ لَهُمْ)؛ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ (وَ) يَجُوزُ (لِضَيْفٍ شُرْبٌ مِنْ إنَاءِ رَبِّ الْبَيْتِ وَاتِّكَاءٌ عَلَى وِسَادَتِهِ وَقَضَاءُ حَاجَتِهِ فِي مِرْحَاضِهِ [بِلَا اسْتِئْذَانٍ]) بِاللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا كَطَرْقِ بَابِهِ عَلَيْهِ وَحَلَقَتِهِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَمُبْتَدِعٌ مَذْمُومٌ) قَالَ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} فَإِنْ كَانَ لِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ كَطِيبٍ فِيهِ شُبْهَةٌ، أَوْ عَلَيْهِ فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَا بِدَعَ. (وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْبِطِّيخِ؛ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِكَيْفِيَّةِ أَكْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَذِبٌ) عَلَيْهِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
تَتِمَّةٌ:
ذُكِرَ فِي عُمْدَةِ الصَّفْوَةِ فِي حِلِّ الْقَهْوَةِ لِلْجَزَرِيِّ نَقْلًا عَنْ تَارِيخِ الْمَقْرِيزِي الْمُسَمَّى بِ الْمُقَفَّى «أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عِيسَى بْنِ سِرَاجٍ النَّاسِخَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الصَّالِحِينَ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُؤْكَلُ الْبِطِّيخُ؟ فَقَطَعَ شَقَّةً وَأَكَلَهَا مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ إلَى نِصْفِهَا، ثُمَّ حَوَّلَهَا إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَأَكَلَهَا حَتَّى فَرَغَتْ، وَقَالَ: هَكَذَا يُؤْكَلُ الْبِطِّيخُ»: انْتَهَى.
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ رُؤْيَا الْمَنَامِ لَا تَثْبُتُ بِهَا الْأَحْكَامُ، لَكِنَّهُ اسْتِئْنَاسٌ.